2009-04-16

الصراع اللغوي

اللغة كما سبق تقريره في مواضع عدة كائن حي, يجري عليه ما يجري على سائر الكائنات الحية, من عوارض مكانية وزمانية, فهي تمر في نشأتها بأحداث الطفولة, ثم تشب عن الطوق لتعيش فترة من الشباب والتفز, تكتمل أداتها, وتغنى بعناصر القوة والثراء, ثم تشيخ في نهاية الأمر, وقد ينتهي أمرها إلى الموت أو الإنقراض.

واللغة ليست كائنا منعزلا يعيش في فراغ, وإنما هي كائن اجتماعي, يتغذى من الأحداث الإجتماعية, ويتأثر بعوامل التطور التاريخي, ولذلك تعكس لنا اللغة دائما حال المجتمع وصورته, من تخلف أو حضارة, ومن رقى أو انحطاط, ومن هنا كان من اليسير على الباحثين معرفة حقيقة أي مجتمع من خلال النظر في لغته, التي هي سجل أمين لكل تفصيلات حياته الإجتماعية.
والمجتمع اللغوي ليس محتمعا معزولا عن سائر المجتمعات, وإنما هو يعيش وسط خضم من اللغات المختلفة, والجماعات المتباينة, وهو مضطر, خضوعا لسنة الحياة, أن يخالط هذه المجتمعات, وأن يطلع على مالديها, وأن ينشئ صلات سياسية واقتصادية وثقافية بالقريب منها والبعيد, ولعل هذا الجانب هو أهم ما تكشف عنه الجغرافيا اللغوية, حين تنجز خرائطها, وترسم حدود الظواهر اللغوية أو اللهجية, في تماسها أو اختلاطها.

والعلاقات بين المجتمعات المختلفة لا تدوم على حال واحدة, وإنما هي تتقاب بين الود والصدام, والحرب والسلام, ولكل معركة ظروف, ونتائج, أبسطها النتائج العسكرية, وأهمها وأخطرها النتائج الإجتماعية التي تشمل التأثير في اللغة, ذلك الكائن الإجتماعي.
ومعنى ذلك أن الإحتكاك بين المجتمعات قدر من الأقدارالحضارية التي تؤثر في حياة اللغة بالسلب أو بالإعطاء, وبالتقوية أو بالإفناء,

وللاحتكاك صورتان:

الأولى: الصورة العنيفة التي تتثمل في الحروب بين مجتمعين من لغتين مختلفتين.
والثانية: الصورة الهادئة التي تتمثل في قيام علاقات صداقة وجوار بين هذين المجتمعين, وإليك حديثا مفصلا عن كلتا الصورتين.
على أن الإحتكاك بين لغتين متجاورتين, لا يحدث دائما على وتيرة واحدة, في كل الحالات, ذلك لأن قوة اللغات ليست واحدة, ومن ثم اختلفت قدرتها على المقاومة, فالأالمانية والفرنسية مثلا, لغتان قويتان تستويان في القوة, وبينهما اختلافات لغوية كبيرة, فإذا ما تعرضتا للمنافسة والإحتكاك, كانت المنافسة بينهما, تكاد تكون محصورة في الميدان الإقتصادي وحده, ذلك أن الإنتصار الذي تناله إحدى اللغتين, يكون في ميدان المعاملة، أي في صميم الحياة نفسها, فإذا تطرد الألمانية, كان معنى ذلك أن سكان تلك القرى, كانت بأيديهم أداتان متساويتان في الصلاحية والقوة, فاختاروا من بينهما أنفعهما لحاجات أعمالهم, ولحياتهم اليومية, ويترتب على هذا نقل الحدود اللغوية, بحسب الجهة التي تفد منها العلاقات الإقتصادية

ويضع علماء اللغة لهذا الصراع مراحل, تظهر في كل مرحلة منها عوامل تساعد على انحلال اللغة المقهورة, وتؤدى إلى القضاء عليها :

1. ففي المرحلة الأولى : تطغى مفردات اللغة المنتصرة، وتحل محل اللغة المقهورة شيأ فشيأ وتكثر هذه الكلمات أو تقل تبعا للمقاومة التي تبديها اللغة المهزومة، فاللغات البربرية لم تترك في اللغة العربية المنتصرة إلا كلمات قليلة، وكذلك الحال في لغة بلاد الجال, التي تغلبت عليها اللاتينية. أما إذا كان الصراع بين اللغتين شديدا, وطويل الأمد, فإن اللغة المقهورة, قد تحتفظ بمفردات كثيرة, تدخل في اللغة الغالبة.

2. وفي المرحلة الثانية : تتغير مخارج الأصوات, ويقترب النطق بها, من النطق بأصوات اللغة الجديدة شيأ فشيأ, حتى تصبح على صورة تطابق أو تقارب الصورة التي هي عليها في اللغة المنتصرة, وذلك بأن يتصرف المغلوب تصرف الغالب في النطق بالأصوات, فتتسرب بذلك أصوات اللغة الغالبة إلى اللغة المغلوبة, في طريقة تطقها, ونبرها, ومجارجها, فينطق أهل اللغة المغلوبة ألفاظهم الأصيلة, وما انتقل إلى لغتهم من كلمات دخيلة, متخذين نفس المخارج, ونفس الطريقة, التي يسير عليها النطق في اللغة الغالبة. وهذه المرحلة تعد أخطر مراحل الصراع اللغوي, إذ يزداد فيها انحلال اللغة المغلوبة, ويشتد قربها من اللغة الغالبة.

3. وفي المرحلة الثالثة : تفرض اللغة المنتصرة قواعدها وقوانينها اللغوية الخاصة بالجمل والتراكيب, وبهذا تزول معالم اللغة المقهورة, وحينئذ تبدأ اللغة المنتصرة, في إحلال أخيلتها وإستعاراتها, ومعانيها المجازية, محل الأخيلة والإستعارات والمعاني, للغة القديمة, التي تموت شيأ فشيأ.

إلا أن النصر لا يتم للغة من اللغات, إلا بعد أمد طويل, قد يصل أحيانا إلى أكثر من أربعة قرون, فالرمان أخضعوا بلاد الجال في القرن الأول الميلادي, ولكن لم تتم الغلبة للغة اللاتينية, إلا في القرن الرابع. وفي كل صراع لغوي, لا تتم هذه المراحل دفعة واحدة, ولا تختفي لهجة أو لغة, إلا وقد تركت بعض مفرداتها أو تراكيبها أو قواعدها, أو أثرت بأي صورة من الصور, في معان المفردات للغة الجديدة, وبخاصة إذا كانت اللغتان من فصيلة لغوية واحدة.



المراجع
شاهين, عبد الصبور. في علم اللغة العام. د. م
عبد التواب, رمضان. المدخل الى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي. القاهرة: الناشر مكتبة الخانجي, 1997م.

زهران, البدراوي. في علم اللغة التاريخي. دار المعارف. د. م.
الكتاني, مجمد. الصراع بين القديم والجديد. دار الثقافة. د. م.

0 komentar:

SELAMAT DATANG.....!!! Happy Fun and Enjoy....

Mau menjelajah...?

Welcome...



Thanks For Joining

Selamat datang di sahara's community, sebuah blog pribadi, namun saya namakan sahara's community karena blog ini adalah rumah ilmu bagi siapapun yang mengunjungi blog ini, Blog ini adalah blog sastra, namun juga terdapat artikel umum hasil corat-coret tangan. semua makalah sastra yang tertulis adalah tugas-tugas kuliah selama menjadi mahasiswa di UIN Jakarta, semoga bermanfaat untuk referensi dan perbandingan. Bagiku .... dunia maya lebih indah dari pada dunia yang sesungguhnya..... salam


 

Design by Amanda @ Blogger Buster